الوحدة هي ذلك الرابط القوي الواعي بتاريخ المنطقة وإرثها ومكوناتها المتنوعة، سواء كانت بيئية أو زراعية أو اقتصادية، التي اعتمدت عليها دول الخليج وصانعوها منذ القدم. منذ البدايات قبل آلاف السنين، نجد أن الفنان الفطري نفذ العديد من الأعمال اليدوية اللازمة للحياة اليومية، فصَنَع الجرار الكبيرة (“الحُبّ”) أو الجرار بمختلف أحجامها ومقاييسها لتخزين الماء، بل وحتى إنتاج الأفران الطينية (“التنّور”) لخبز الخبز أو طهي “المندي” داخلها. كما برعوا في فن الحرف اليدوية، حيث أنتج الإنسان الخليجي – الحرفي والصانع والموهوب – على مر القرون أعمالاً يدوية عديدة، من نسج الأقمشة وتحضير خيوط الصوف التي كانت أساسًا للمنسوجات مثل “السدو”، والملابس والعباءات والشالات. وتميزوا أيضًا بإنتاج الأعمال النحتية على الخشب، كما نرى في الأبواب، وبرعوا في الزخارف الجصية على المباني، مثل زخرفة المساجد والقصور والبيوت. وأتقنوا صناعة الشبابيك والأبواب، بل وتمكنوا من ترك بصمتهم في صناعة الأدوات اللازمة للحياة المنزلية، من أدوات الطهي أو الزراعة إلى أدوات الخياطة والنسيج. ومن خلال موهبتهم الفطرية والعفوية، وبفضل الله الذي منحهم هذه الموهبة، حققوا أعمالًا، بعضها موجود في متاحف الخليج الحكومية والخاصة، تجسد المهارة اليدوية والعقل المبدع والدقة في العمل. لو رأينا كيف صنع الفنان الخليجي أعماله، لرفعنا “العِقال” إعجابًا بالجمال والفن الذي أبدعه في كل الأحوال. وحتى اليوم، نجد أعمال الفنان الخليجي بدأت تنتشر إلى المواقع العالمية، وأعماله تلقى اهتمامًا واقتناءً في المعارض المحلية والغربية.
ومن هنا، تجدر الإشارة إلى أهمية أن يحظى الفنان الخليجي بمزيد من التقدير والاهتمام والاقتناء من مختلف الجهات. وهكذا نجد أن الفن الخليجي تحديدًا يجسد ويمثل الفن في الخليج ضمن وحدة تتجدد يومًا بعد يوم.
وبعد هذا كله، ما أروع وأميز معرض “الفن عبر الخليج العربي” – لقد كان معرضًا مبهرًا حقًا شاركت فيه نخبة من الفنانين الخليجيين، بعضهم قد رحل والبعض الآخر لا يزال يمثل وطنه بأعماله المتجددة. لقد وثق هذا المعرض “تراثًا فنيًا” عظيمًا ومدهشًا. ومما لا شك فيه، فإن الفضل في تنظيمه يعود لبركة الله ثم بكل التقدير والاحترام لمؤسسة مسك غير الربحية ولمعهد مسك للفنون ولفريق العمل – الإدارة والعاملين والعاملات. ونتيجة لذلك، حقق المعرض أهداف تنظيمه وعقده في “الرياض”، عاصمة الإبداع في الخليج.
أكثر المواضيع شيوعًا
الحُبّ
“الحُبّ” هو جرة كبيرة تقليدية من الفخار كانت تُستخدم على نطاق واسع في منطقة الخليج العربي لتخزين الماء والمواد الغذائية مثل التمر والحبوب. تاريخها ضارب في القدم، يعود إلى آلاف السنين حيث كانت ضرورية للحياة في المناطق الصحراوية لحفظ المؤن والماء باردًا. تُمثل اليوم رمزًا للتراث والحياة التقليدية، وغالبًا ما تُعرض في المتاحف أو كقطع ديكور تراثي.
التنّور
“التنّور” هو فرن طيني تقليدي كان يُستخدم على نطاق واسع في منطقة الخليج والشرق الأوسط لخبز الخبز المسطّح مثل خبز التنور. تاريخه قديم، تمتد جذوره إلى آلاف السنين في المجتمعات الزراعية المبكرة حيث كان الخبز الجماعي محورًا للحياة اليومية والتجمع الاجتماعي. اليوم، لا يزال رمزًا للتراث والتقاليد الغذائية، ويوجد غالبًا في بيوت القرى والمطاعم الحديثة على حد سواء.
السدو
“السدو” هو فن نسج تقليدي تمارسه نساء البادية في منطقة الخليج العربي، يستخدمون نولاً أرضيًا لصناعة الخيام والبسط والوسائد والمفروشات من صوف الأغنام ووبر الإبل وشعر الماعز. يتميز بنقوشه وألوانه المميزة التي تحمل دلالات قبلية وتراثية. يُعتبر السدو أحد أهم الفنون الحرفية في التراث الخليجي، ويعكس مهارة عالية وقيمًا جمالية واجتماعية متوارثة.
العِقال
“العِقال” هو جزء أساسي من اللباس التقليدي للرجل في منطقة الخليج والجزيرة العربية، وهو حبل مزدوج مصنوع عادةً من صوف الماعز الأسود، يُلبس فوق الغترة (الشماغ) لتثبيتها على الرأس. أكثر من كونه مجرد قطعة ملابس، فهو رمز للهوية والكرامة والرجولة. تختلف أنواعه وأساليب لبسه قليلاً بين مناطق الخليج، ويُستخدم تعبير “رفع العقال” مجازياً للإشارة إلى الإعجاب البالغ والتقدير.
مؤسسة مسك
مؤسسة مسك هي مؤسسة غير ربحية ثقافية وتعليمية أسسها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2011. تهدف إلى تمكين الشباب السعودي من خلال برامج في التعليم والتقنية والإعلام والثقافة، وتنمية مهارات المستقبل. سُميت المؤسسة تيمنًا بـ “مسك العود”، وهو أحد مكونات العطر العربي التقليدي، رمزًا للالتزام بإثراء المجتمع.
معهد مسك للفنون
معهد مسك للفنون هو مؤسسة ثقافية غير ربحية أسستها مؤسسة مسك التابعة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2017. مقره الرياض، ورسالته تمكين ودعم الفنانين الناشئين والمجتمعات الإبداعية داخل المملكة وعالميًا. يعزز التطور الفني من خلال البرامج التعليمية وورش العمل والمعارض والتبادلات الثقافية الدولية كجزء من مبادرة رؤية السعودية 2030 الأوسع لتنمية القطاع الثقافي.
الرياض
الرياض هي العاصمة وأكبر مدينة في المملكة العربية السعودية، كانت تاريخيًا بلدة واحة مسورة ومركزًا رئيسيًا لأسرة آل سعود. تحولت من مستوطنة صحراوية متواضعة إلى مدينة عصرية مترامية الأطراف بعد اكتشاف النفط في القرن العشرين. اليوم، هي المركز السياسي والمالي والإداري للأمة، وتضم معالم مثل قلعة المصمك التاريخية وبرج المملكة المعاصر.
الفن عبر الخليج العربي
“الفن عبر الخليج العربي” ليس موقعًا ماديًا واحدًا، بل مصطلح يمثل المشهد الفني المعاصر الديناميكي والمتطور عبر دول مجلس التعاون الخليجي. متجذر تاريخيًا في تقاليد البدو والإسلام والتراث البحري، وقد توسع هذا الحراك الحديث بسرعة منذ أواخر القرن العشرين، مدفوعًا باستثمارات وطنية في المؤسسات الثقافية مثل المتاحف والبيناليات والمعارض. يعرض كيف يتفاعل الفنانون بشكل نقدي مع موضوعات التحديث السريع والاتصال العالمي والهوية الثقافية في المنطقة.